Work and profit : أحكام التجارة في الاسلام "Trade provisions in Islam"

أحكام التجارة في الاسلام "Trade provisions in Islam"



أحكام التجارة Trade provisions in Islam  في الاسلام




لأحكام التجارة  

ينبغي للمكلف أن يتعلم أحكام التجارة التي يتعاطاها . بل يجب عليه ذلك إذا كان في معرض الوقوع في مخالفة تكليف إلزامي بسبب ترك التعلم ، وفي المروي عن الصادق عليه السلام : 

 من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ، و من لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات .

إذا شك في صحة المعاملة و فسادها بسبب الجهل بحكمها لم يجز له ترتيب آثار أي من الصحة و الفساد ، فلا يجوز له التصرف فيما أخذه من صاحبه ولا فيما دفعه إليه ، بل يتعين عليه إما التعلم أو الاحتياط و لو بالصلح و نحوه، نعم إذا أحرز رضاه بالتصرف في المال المأخوذ منه حتى على تقدير فساد المعاملة جاز له ذلك.
يجب على المكلف التكسب لتحصيل نفقة من تجب نفقته عليه كالزوجة و الأولاد إذا لم يكن واجداً لها ، و يستحب ذلك للأمور المستحبة ، كالتوسعة على العيال ، و إعانة الفقراء.




 و هو على أنواع منها : 
( مزج المبيع المرغوب فيه بغيره مما يخفى من دون إعلام ) كمزج الدهن بالشحم ، و منها : ( إظهار الصفة الجيدة في المبيع مع إنها مفقودة واقعا ) كرش الماء على بعض الخضروات ليتوهم أنها جديدة ،
 و في النبوي : ( ليس منا من غش مسلماً أو ضره أو ماكره ) و في آخر : ( من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه ، و سد عليه معيشته ، و وكله إلى نفسه ).
لا بأس ببيع المتنجس القابل للتطهير كالفراش ، و كذا غير القابل له مع عدم توقف منافعه المتعارفة السائغة على الطهارة ـ كبعض الأدهان ـ بل حتى مع توقفها عليها ـ كالدبس و العسل ـ إذا كانت له منفعة محللة معتد بها.
يجب على البائع إعلام المشتري بنجاسة المتنجس إذا كان مع عدم الإعلام في معرض مخالفة تكليف إلزامي تحريمي ـ كاستعماله في الأكل و الشرب ـ أو وجوبي ـ كاستعمال الماء المتنجس في الوضوء و الغسل و إتيان الفريضة بهما ـ بشرط احتمال تأثير الإعلام في حقه ، بأن لم يحرز كونه غير مبال بالدين مثلا

 لا بأس ببيع الزيوت المستوردة من بلاد غير المسلمين إذا لم تعلم نجاستها ، لكن الزيت المأخوذ من الحيوان بعد خروج روحه إذا أخذ من يد الكافر يحرم أكله ، إلا إذا احتمل كونه مأخوذا من المذكى و كان مصنوعاً في أرض الإسلام ، أو مسبوقاً بوجوده في سوق المسلمين ، أو بيد المسلم مقترناً بما يقتضي تصرفه فيه تصرفاً يناسب التذكية .
لا يجوز بيع جلد الميتة ، و ما ذبح على وجه غير شرعي من كل حيوان محلل الأكل و غيره على الأحوط


يجوز بيع الجلود و اللحوم و الشحوم المستوردة من البلاد غير الإسلامية ، و المأخوذة من يد الكافر ، و كذا يحكم بطهارتها و جواز الصلاة فيها فيما إذا احتمل أن تكون من الحيوان المذكى ، و لكن يحرم أكلها ما لم يعلم ذلك ، إلا إذا كان مصنوعاً في أرض الإسلام أو مسبوقاً بسوق المسلمين أو بيد المسلم بالشرط المتقدم ، و هكذا الحال فيما أخذ من يد المسلم إذا علم أنه قد أخذه من يد الكافر من غير استعلام عن تذكيته.


بيع المال المغصوب باطل ، و يجب على البائع رد ما أخذه من الثمن إلى المشتري .
 
إذا لم يكن من قصد المشتري إعطاء الثمن للبائع ، أو قصد عدمه لم يبطل البيع إذا كان قاصداً للمعاملة جداً، و يلزمه إعطاؤه بعد الشراء، وكذلك إذا قصد أن يعطي الثمن من الحرام.
يحرم بيع آلات اللهو المحرم مثل البرابط والمزامير ، و الأحوط الاجتناب عن بيع المزامير التي تصنع للعب الأطفال، وأما الآلات المشتركة التي تستعمل في الحرام تارة وفي الحلال أخرى، و لا تنحصر منفعتها المتعارفة في الحرام فلا بأس ببيعها و شرائها كالراديو و المسجلة ، و أما التلفزيون فإن عد في العرف آلة للحرام فلا يجوز بيعه و شراؤه ، و إلا فلا مانع منه ، و أما الإصغاء إلى برامجه المحللة و النظر إليها فلا بأس بهما .
يحرم بيع العنب و التمر إذا قصد ببيعهما التخمير و لا بأس به مع عدم القصد وإن علم البائع أن المشتري يصرفه فيه.

يحرم تصوير ذوات الأرواح من إنسان و غيره إن كان مجسماً مطلقاً ـ على الأحوط ـ و أما غير المجسم فالأظهر جوازه ، و أما التصوير الفوتوغرافي المتعارف في عصرنا فلا بأس به كما لا بأس باقتناء الصور المجسمة و بيعها و إن كان يكره ذلك.
لا يصح شراء المأخوذ بالقمار ، أو بالسرقة ، أو المعاملات الباطلة . و إن تسلمه المشتري وجب عليه أن يرده إلى مالكه.
لا يجوز بيع أوراق اليانصيب و شراؤها ، فإذا كان إعطاء المال بقصد البدلية عن الفائدة المحتملة فالمعاملة باطلة ، و أما إذا كان الإعطاء مجاناً فلا بأس به ، كما إذا كان بقصد الإعانة على مشروع خيري، كبناء مدرسة أو جسر أو نحو ذلك ، و على كلا التقديرين فالمال المعطى لمن أصابت القرعة باسمه ـ إذا كان المتصدي لها شركة غير أهلية ـ من المال المجهول مالكه فلابد من مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحه .

الدهن المخلوط بالشحم إذا بيع شخصيا كأن يقول : بعتك هذا المن من الدهن ، فإن كانت نسبة الشحم فيه كبيرة بحيث لا يصدق عليه الدهن عرفاً بطلت المعاملة ، و إن كانت نسبته قليلة بحيث يعد دهناً مغشوشاً فالمعاملة صحيحة و لكن للمشتري خيار العيب ، فله أن يفسخ البيع و يسترجع الثمن ، و إما لو كان الدهن متمايزاً عن الشحم و بيع شخصياً فالمعاملة بمقدار الشحم الموجود فيه باطلة ، و ما قبضه البائع عوضاً عنه لا ينتقل إليه ، و للمشتري أن يفسخ البيع بالنسبة إلى الدهن الموجود فيه ، و لو باع مناً من الدهن في الذمة فأعطاه من المخلوط فللمشتري أن يرده و يطالب البائع بالدهن الخالص 
 يحرم بيع المكيل و الموزون بأكثر منه كأن يبيع مناً من الحنطة بمنين منها ، و يعم هذا الحكم ما إذا كان أحد العوضين صحيحاً و الآخر معيباً ، أو كان أحدهما جيداً و الآخر رديئاً، أو كانت قيمتهما مختلفة لأمر آخر ، فلو أعطى الذهب المصوغ و أخذ أكثر منه من غير المصوغ فهو رباً و حرام.


لا يعتبر في الزيادة أن يكون الزائد من جنس العوضين ، فإذا باع مناً من الحنطة بمن منها و درهم ، فهو أيضاً رباً وحرام ، بل لو كان الزائد من الأعمال ، كأن شرط أحد المتبايعين على الآخر أن يعمل له عملاً ـ فهو أيضاً ربا و حرام ، و كذلك إذا كانت الزيادة حكمية كأن باع مناً من الحنطة نقداً بمن منها نسيئة.


لا بأس بالزيادة في أحد الطرفين إذا أضيف إلى الآخر شيء ، كأن باع مناً من الحنطة مع منديل بمنين من الحنطة إذا قصدا أن يكون المنديل بإزاء المقدار الزائد و كانت المعاملة نقدية ، و كذلك لا بأس بالزيادة إذا كانت الإضافة في الطرفين كأن باع مناً من الحنطة مع منديل بمنين و منديل. و تصح المعاملة مطلقاً إذا قصدا كون المنديل في كل طرف بإزاء الحنطة في الطرف الآخر. و كذا تصح نقداً إذا قصدا كون المنديل في طرف الناقص بإزاء المنديل و المن الزائد من الحنطة في الطرف الآخر.

يجوز بيع ما يباع بالأمتار ، أو العد ، كالأقمشة و الجوز بأكثر منه نقداً و نسيئة مع اختلافهما جنساً ، و أما مع الاتحاد فجواز البيع نسيئة محل إشكال ، كأن يبيع عشر جوزات بخمس عشرة جوزة إلى شهر .
 
الأوراق النقدية بما أنها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسيئة ، فيجوز بيع خمسة دنانير كويتية بعشرة دنانير عراقية مطلقاً، و أما مع الاتحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً و أما نسيئة فلا يخلو عن إشكال ، و لا بأس بتنزيل الأوراق نقداً بمعنى أن المبلغ المذكور فيها إذا كان الشخص مديناً به واقعاً جاز خصمها في المصارف و غيرها بأن يبيعه الدائن بأقل منه حالا و يكون الثمن نقداً.


ما يباع في غالب البلدان بالكيل أو الوزن يجوز بيعه نقداً بأكثر منه في البلد الذي يباع بالعد على الأظهر ، و ما يختلف حاله في البلاد من غير غلبة فحكمه في كل بلد يتبع ما تعارف فيه ، فلا يجوز بيعه بالزيادة في بلد يباع فيه بالكيل و الوزن ، و يجوز نقدا فيماً يباع فيه بالعد .
إذا كان العوضان من المكيل أو الموزون و لم يكونا من جنس واحد جاز أخذ الزيادة إن كانت المعاملة نقدية ، و إما في النسيئة فجوازه لا يخلو عن إشكال كأن يبيع مناً من الأرز بمنين من الحنطة إلى شهر.

شرائط المتبايعين  


لا يجوز استقلال غير البالغ في المعاملة على أمواله و إن أذن له الولي ، إلا في الأشياء اليسيرة التي جرت العادة بتصدي الصبي المميز لمعاملتها فإن الصحة فيها لا تخلو عن وجه ، و إذا كانت المعاملة من الولي و كان الصبي وكيلاً عنه في إنشاء الصيغة جازت على الأظهر ، و كذا تجوز معاملته بمال الغير إذا كان مميزاً و مأذوناً من قبل المالك ، و لا حاجة إلى إذن الولي، كما لا مانع من وساطة الصبي في إيصال الثمن أو المبيع إلى البائع أو المشتري.


إذا اشترى من غير البالغ شيئاً من أمواله ـ في غير المورد الذي تصح معاملته فيه ـ وجب رد ما اشتراه إلى وليه، و لا يجوز رده إلى الطفل نفسه، وإذا اشترى منه مالاً لغيره من دون إجازة المالك وجب رده إليه ، أو استرضاؤه فإن لم يتمكن من معرفة المالك تصدق بالمال عنه، والأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي.
لو أكره أحد المتعاملين على المعاملة . ثم رضي بها صحت ، و إن كان الأحوط ـ حينئذٍ ـ إعادة الصيغة.

لا يصح بيع مال الغير فضولاً، و من دون إذنه ، نعم إذا أجازه بعد ذلك صح.
 
يجوز للأب و الجد من جهة الأب أو وصيهما أن يبيع مال الطفل ، و كذا يجوز للمجتهد العادل أو وكيله ، أو عدول المؤمنين ـ عند عدم التمكن من الوصول إليهما ـ أن يبيع مال المجنون أو الطفل الفاقدين للولي أو مال الغائب ، إذا اقتضت الضرورة بيعه
.



شرائط العوضين  



نعم لا بأس بجعل المنفعة ثمنا، و بيان هذه الأحكام يأتي في المسائل الآتية.
ما يباع في بلد بالوزن أو الكيل لا يصح بيعه في ذلك البلد إلا بالوزن أو الكيل، و يجوز بيعه بالمشاهدة في البلد الذي يباع فيه بالمشاهدة .
ما يباع بالوزن يجوز بيعه بالكيل ، إذا كان الكيل طريقاً إلى الوزن، و ذلك كأن يجعل كيل يحوي مناً من الحنطة ، فتباع الحنطة بذلك الكيل.
إذا بطلت المعاملة لفقدانها شيئا من هذه الشروط ـ عدا الشرط الرابع ـ و مع ذلك رضي كل من المتبايعين بتصرف الآخر في ماله جاز لهما التصرف فيما انتقل إليهما .
لا يجوز بيع الوقف إلا إذا خرب بحيث سقط عن الانتفاع به في جهة الوقف . أو كان في معرض السقوط و ذلك كالحصير الموقوف على المسجد إذا خلق و تمزق بحيث لا يمكن الصلاة عليه ، فإنه يجوز بيعه للمتولي و من بحكمه ، و لكنه لابد أن يصرف ثمنه في ما يكون أقرب إلى مقصود الواقف من شؤون ذلك المسجد مع الإمكان على الأحوط.

لو وقع الخلاف بين أرباب الوقف على وجه يظن بتلف المال أو النفس ، إذا بقي الوقف على حاله ففي جواز بيعه و صرفه فيما هو أقرب إلى مقصود الواقف إشكال .
 
لو شرط الواقف بيع الوقف إذا اقتضت المصلحة جاز بيعه.
يجوز بيع العين المستأجرة من المستأجر و غيره ، و إذا كان البيع لغير المستأجر لم يكن له انتزاع العين من المستأجر، ولكن يثبت له الخيار إذا كان جاهلاً بالحال ، و كذا الحال لو علم بالإيجار لكنه اعتقد قصر مدته فظهر خلافه
.










التجارة في الإسلام (الاحتكار)



يقول الحقُّ - تبارك وتعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

فالوسطيَّة دعامةٌ من دعائِم النِّظام الإسلامي، وهي من أهمِّ دعامات الحياة الاجتماعيَّة للمسلمين، وهى مطلوبةٌ في كلِّ أمرٍ من أمورِ الدنيا أوِ العمل للآخرة؛ لذلك يرفُض الإسلام في نظامِه المالي تِلك الفرديَّة المتطرِّفة التي يرعاها النِّظام الرأْسمالي، والتي تتجاهل حقوقَ الجماعة، وتُتيحُ للفَرْدِ أن ينكر مصالِح الجماعة ويتناساها في سبيل تَحقيق أعلى نسبةٍ من الرِّبْح مُمكنة.

كما لا يقرُّ الإسلام رأسمالية الدولة التي يتبنَّاها النِّظام الاشتراكي، والتي تضحي بِحقوق الفرْد وحريَّته من أجْل مصلحة الجماعة، والتي قد تتطرَّف إلى مدى أبعدَ من الاستِغْلال الرأسمالي لحاجات المُجْتمع.

لكن الإسلام في ربْطِه الأبدي بين المادَّة والروح، فِطْرةَ الإنسان التي فُطِر عليها - يدعو أفراد المجتمع المؤمنين لأنْ يتسامَوا في دوافعِهم الذاتيَّة؛ لأنَّ للتضحية من أجل الإخاء الإسلامي أجزلَ الثواب عند الله؛ لأنَّ المسلم في عمله إنَّما يبتغي وجه الله أوَّلاً ويرعاه في تصرُّفاته.

فيحبب الإسلام إلى التجار إرْخاص الأسعار للتيسير على النَّاس؛ لما في ذلك من مرضاة الله والفوْز بثوابه.

ولقد نهى الإسلام عن التغالي في الرِّبْح، وعن الفحْش في الكسب؛ لأنَّ قلَّة الربْح مع كثرة البَيْع تؤدِّيان إلى وفْرة المكسب مع التيْسير على المُسلمين، وكان عليُّ بن أبي طالب يدورُ في سوق الكوفة ويقول: معاشرَ التُّجار، خذوا الحقَّ تَسْلموا، ولا تردُّوا قليل الربح فتُحرموا كثيرَه.

وإذا كان الجالب مُجاهدًا في سبيل الله - كما جاء الحديثُ الشريف - لأنَّه يرفع الحرجَ عن الناس وييسِّر لهم أمورَ معاشِهم، فإنَّ المحتكر خارجٌ على دين الله، كافرٌ بنعمة الإسلام، كما يقرِّر الرسولُ - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في الحديث نفسِه. 

والاحتِكار في نظَر الحنفيَّة هو: شراء طعامٍ ونحوٍه وحبسُه إلى الغلاء أربعين يومًا، وعند الشافعية: شراء القُوت في وقت الغلاء ليُمْسِكه ويبيعه بعد ذلك بأكثرَ من ثمنِه للتضييق حينئذ، وعند الحنابلة مثل ذلك، بِمعنى أنَّ الاحتكار هو حبْس الشَّيء انتظارًا لغلائِه، وهو الأمر المرادف للامتناع عن البيع.


ويرى الدكتور محمد سلاَّم مدكور في كتابه "الاحتكار وموقف التشريع الإسلامي منه" أنَّ الاحتِكار المحظور في الشريعة الإسلاميَّة هو: حبس أيِّ شيءٍ تشتدُّ حاجة النَّاس إليْه، ويستعملونه في حياتِهم، ويتضرَّرون من حبْسِه عنهم، ويستوي في ذلك أن يكون ذلك الحبس نتيجةَ شراء أو اختزان، وأن يكون الشراء في مِصْرٍ أو غيرِ مِصْرٍ، وأن يكون ذلك الشيء طعامًا أو غير طعام، ويشمل ذلك ما اشتراه في وقت الرُّخْص؛ ليرفع سِعْره، ويُغليه على النَّاس عند الضيق والاحتياج، وهو ما يتَّفق مع قول أبي يوسف: كل ما أضر بالنَّاس حبسُه فهو احتكار، وإن كان ذهبًا أو ثيابًا.

والأحاديث الواردة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في النهي عن الاحْتِكار وإظهار بشاعة جريمتِه كثيرة، نذكر منها: ((الجالب مرزوقٌ والمحتَكِر ملعون))؛ رواه ابن ماجه والدارمي.

والإسلام يُحارب الاحتكار لما فيه من إهدارٍ لحريَّة التِّجارة والصناعة، وتحكُّم في الأسواق يَستطيعُ معه المحتكِر أن يفرِض ما شاء من أسْعار على النَّاس، فيُرهِقُهم ويُضاربُهم في معاشِهم وكسْبِهم، فوق أنَّهُ يسدُّ أبواب الفُرَص أمام الآخَرين ليعملوا أو يرتزقوا كما يرتزق المحتكِر، ويقتل روح المنافسة التي تؤدِّي إلى الإتْقان والتفوُّق في الإنتاج.


وقد رأيْنا بعْضَ المحتَكِرين يلجؤون إلى إتلاف فائضِ إنتاجِهم لرفْع الأسعار، كما حدث في البرازيل، عندما أُحْرقتْ أطنانًا من البُنِّ بينما الملايين لا تَجد حاجاتِها منه، وكم رأيْنا صيدليات تَحتكِر الأدوية، وتَمنعها عن المرضى الذين يُعانون آلام أمراضِهم؛ دافعها إلى الاحتكار الجشَعُ والسعي وراء كسب حرام، والاتِّجار في آلام البشَر الذين يَموتون في سبيل أن تزيدَ أرباح المحتكِر.

إنَّ الاحتِكار جريمةٌ ضدَّ الإنسانيَّة تستوجِبُ الطَّرد من رحمة الله؛ ولذلك قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الجالب مرزوق والمحتكر ملعون))؛ لأنَّ المحتكرين - كما يقول جون آيز، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية - تائِهون في مُطاردة المال الذي يَجب أن يكون الوسيلةَ إلى الحياة الطيِّبة، لا غاية في ذاته، حتى نسُوا الغاية وأمعنوا في التعلُّق بالوسيلة.

خطر الاحتِكار على الاقتصاد العالمي أصبح في غير حاجة إلى مزيد من البيان، وكلُّنا نعلم كيف تغلْغل الاحتِكار - الظَّاهر والخفي - في أكثَر ميادين الإنتاج العالمي، وكيف تَحالف المحتَكِرون من أقْطاب المال عبْرَ حدودِهم مع زُملائِهم في بلادٍ أخرى، ونَجحوا في تحديد الأسعار التي تؤتيهِم الربْحَ الفاحش، وخلقوا الأزماتِ، وتآمَروا على بَخس أثْمان الموادِّ الخام التي تنتجها البلاد النامية؛ إضرارًا بأكثرَ من ثُلُثي سكَّان الأرض، ولازالتْ جهود الأمم المتَّحدة - العناصر الطيبة فيها - تتوالى وتتعثَّر في مُحاولة التخفيف من ويلات هذا الداء الوبيل.


إنَّ التَّحريم الإسلامي للاحتِكار يَسري على كلِّ أنْواعه: المحلي والعالمي؛ لأنَّ هدف المحتَكِر واحد، وهو التَّحكُّم في ضرورات النَّاس.


وقد اتَّخذ الاحتِكار الدولي في العصْر الحديث صورًا رهيبة، لاسيَّما بعد ما تحقَّق من تطوُّر في أساليب الإنتاج، أدَّى إلى قيام المشاريع الضخمة التي يعجز الأفراد عن القيام بها، ثم النظرة المادية البحتة للاقتِصاد، وترك الحريَّة المطلقة للملكيَّة بغير حدود.

وقدِ استعاضت الشَّركات الكبرى عن المُنافسة في سبيل الإجادة وخفْض الأسعار لصالح البشريَّة، بِهذه الصور البشعة من أنواع الاحتكار، فرأينا:

1- نظام الشَّركة القابضة التي تقوم بشِراء معظم الأسْهُم في الشَّركات الأعضاء – ولنقل: إنها شركات السَّيَّارات على سبيل المثال - وبذلك يكون لها سلطةُ تَحْديد الأسْعار في جَميع شرِكات السيارات، في عدَّة دول أو في العالم كلِّه.

2- الاندماج: وهو اتِّحاد شركتين أو أكثر، فتشتري إحدى الشَّركات جميعَ أسهُم الشَّركات الأُخرى، فلا يصبح في الوجود إلا شركةٌ واحدة، تَحتكر السِّلعة التي كانت تُنْتجها الشَّركات المندمِجة، وتقضي على المنافسة.

3- اتِّحاد الثمن: وفي هذا النَّوع من الاحتكار يتَّفق المنتجون فيما بينهم على تَحديد الأثمان، أو تَحديد كمية الإنتاج؛ ليحْصُلوا على أعظم ربح، وقد يكون هذا الاتِّفاق شفويًّا؛ لكنَّه احتِكار غير مركَّز في هيئة واحدة.

وهناك أنواع أخرى من الاحتكارات كشفت عنها لجنة التجارة الاتحادية في الولايات المتَّحدة الأمريكية، وعجزت كلُّ الوسائل القانونيَّة هناك عن التغلُّب عليْها، أو الحدِّ من سلطانِها واستغلالِها وانحرافاتِها.

ولا شكَّ أنَّ حرب التَّجويع التي تشنُّها بعض الدول الاستِعمارية المنتجة للسلع الغذائية، كمنع القمح عن مناطق المجاعة أو الذُّرة - هو من سبيل الاحتكار الذي حرَّمه الإسلام، احتكار يقطع الأواصرَ الإنسانيَّة، ويُحارب الرَّحمة، ويزرع الأحْقاد بين بني الإنسان.

أين هذا من موقفِ المسلمين في مشارِق الأرْض ومغاربِها عام الرَّمادة، يوم أن أصاب القحط الجزيرة العربية، فانْهمرت المؤن من مِصر وإفريقيا والعِراق، وكل أرْضٍ عَلَتْ فيها رايةُ الحقِّ - لتنقذ إخوةً في الإنسانية، حتَّى كانت قوافل عمرو بنِ العاص بالنَّجدة أوَّلها في المدينة المنوَّرة، وآخرها في الفسْطاط على النيل.

أين هذا من شعار الإسلام الذي يرفعه للبشرية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].

إنَّه أمر البشرية بأنْ تتعارف وتتراحم، وتدرك أن لا فضْلَ لأحدٍ عند الله خالقِها إلا بالتَّقْوى، ولبشاعة جريمة الاحتِكار نرى أنَّ الإجماع يكادُ يكون تامًّا بين فُقهاء المسلمين على حربه ومقاومته، وأوَّل مراحل هذه الحرب أن يؤمر المحتكِر بالبيع بسعْر المثل، فإذا لم يبِع باع عليه القاضي.

كما يُجمعون على استحْقاق المحتكر لعقوبة التَّعزير، وهي عقوبة كان يوقِعُها المحتسب؛ ويقول عنها ابن القيم: "يتغيَّر التعزير بِحسب اقتِضاء المصلحة له، زمانًا أو مكانًا أو حالاً، ويَختلف تقدير العقوبة فيه حسب خطر الجريمة، وتأصُّلها في نفْسِ المُجرم".

لذلك فقد تصل عقوبة التَّعزير إلى الحبس أو الضرْب، أو العقوبة الماليَّة على جرائم الاحتِكار أو مخالفة التسعير.

لكن هذا الشخص الذي يستحلُّ إخفاء طعامِ النَّاس، أو منْع دواء عن مريض، ألا يُعَدُّ مفسدًا في الأرض بما يُثير من قلَقٍ في النُّفوس، واضطِراب في الأوضاع، ومرارةٍ في الصدور؟ ألا ينطبق عليْه قول الحقِّ - تبارك وتعالى -: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 33].

إنَّ مثل هذا الرَّجل حربٌ على الإسلام، يحادُّ الله ورسوله بما يسعى فيه من زرْع الآلام والأحقاد بين النَّاس، بينما الإسلام يسعى إلى السلام وبسْط الرَّحْمة والطُّمأنينة في النُّفوس.

ولو أنَّ أهل التِّجارة والصناعة والزِّراعة اتَّجهوا في عملِهم إلى الله، واحتسبوا في سبيل الله، وآمَنوا بأنَّ الله ذو حقٍّ في المال، بل هو الخالقُ الرازقُ مقسِّم الأرْزاق - لمَا وجدوا سببًا للخُصومة والفرْقة بسبب المال، ولسعَوْا إلى تَحصيله وإنْمائه بِهذه العقيدة؛ لأنَّ البسطةَ في المال والضيق فيه مرهونانِ بِمشيئة الله.

{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 30].

وطالما اعتقدوا أيضًا أنَّه لابدَّ أن يكون وضع الرِّزق في معايش النَّاس على هذا النَّحو من السَّعة والضِّيق لصالح المجتمع وأمْنِه؛ {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27]، طالما اعتقدوا هذا وذاك، فلا مجال في سعْيِهم ونشاطهم للبَغْضاء والشحناء، ولا للحسَد والحقد، والسبيل إلى الانتِفاع بنعمة الله في المال بعد الجهْد، وإعداد النفْس للسَّعْي - هو التوجُّه إلى الله في إخلاص وفي عمل صالح؛ {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].

وفي ظلِّ هذه العقيدة الداعية إلى السَّلام، وإلى ابتغاء وجْهِ الله في كل سعْيٍ، من الممكن أن تَمضي المنافسة في عالم المالِ في إطار السلام ودعْوة الإسلام.




 





من فضلك شارك هذا الموضوع اذا اعجبك

ضع تعليقا أخي الكريم

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

تعليقات ذات فائدة علمية

جميع الحقوق محفوظة E - Commerce ©2012-2013 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . Privacy-Policy | فريق التدوين