Work and profit : أحكام التجارة في الإسلام

أحكام التجارة في الإسلام



أحكام التجارة في الإسلام

 

 


قواعد التجارة بين المسلمين

ولنرى حرص الإسلام على مصالح المسلمين فى المعاملات بينهم وضع قواعد محددة يجب الالتزام بها رغبة فى الوصول لمجتمع تزول الخلافات بين أفراده فنرى حرص الإسلام على ضبط قواعد التجارة بين الأفراد فحذر التجار من الجشع ووعد المحسنين منهم بالثواب العظيم فقال صلى الله عليه وسلم : ( التاجر الصادق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين )(16) وقال صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ) (17)" اقتضى : أى طالب بما له من أموال عند الناس " وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تجاوز عن احد التجار يوم القيامة لأنه كان يتجاوز عن ديون المعسرين فى الدنيا ، بينما اشتد تحذير الإسلام للتجار من استغلال تجارتهم فى قهر الفقراء فقال صلى الله عليه وسلم : ( التجار فجار )"18" وقال صلى الله عليه وسلم : ( اليمين منفقة للسلعة ممحقة للبركة ) "19 " أى أن بعض التجار يعتمدون على اليمين وكثرة الحلف لبيع سلعتهم مع ما قد تتصف به من عيوب يخفونها على المشترى وقد يفلح هذا التاجر فى بيع سلعته ولكن يزيل الله تعالى البركة منها .

ومن الظواهر التجارية التى رفضها الإسلام الاحتكار ويقصد به أن يخفى التجار إحدى السلع الغذائية الضرورية للناس حتى إذا اختفت من الأسواق تم عرضها بسعر أعلى فيضطر الناس لشرائها لشدة حاجتهم لها وعدم قدرتهم على الاستغناء عنها مثلالدقيق والسكر والزيت . ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (بئس العبد المحتكر إن سمع برخص ساءه وان سمع بغلاء فرح )"20 " فهذا الشخص يتصف بالأنانية وحب الذات أكثر من التعاطف مع الآخرين ومراعاة ظروفهم، وقال صلى الله عليه وسلم (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون )"21" اى إن اشترى بضاعة ليبيعها سيرزقه الله منها رزقا حسنا ومن اشترى بضاعة ليحتكرها لعنه الله بسببها وقال صلى الله عليه وسلم : ( من دخل فى شىء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة )"22" ويشترك فى الإثم والوزر المحتكر لكمية قليلة أو كثيرة فكلاهما شارك فى التضييق على المسلمين واستغلال حاجتهم . وليس من الاحتكار أن يحتفظ الإنسان لنفسه ولأسرته بالطعام الذى يكفيهم فترة من الزمن مثلما فعل الرسول ص فكان يحتفظ لأسرته بطعام يكفيهم عاما كاملا

ومن الاحتكار المذموم احتكار الدواء بإخفائه أو تغيير الاسم أو تقليل المادة الفعالة فيه ليحتاج المريض لكمية أكبر أو رفع السعر تحت ادعاءات غير صادقة استغلالا لحاجة المرضى وعدم قدرتهم على الاستغناء عنه .



ومن القواعد التجارية التى وضعها الإسلام ( المؤمنون عند شروطهم )أى أن الشروط التى وضعها الشريكان يجب عليهما الالتزام بها طالما لا تتعارض مع نصوص شرعية أخرى . وقال صلى الله عليه وسلم ( أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )"23" فالعامل أو الصانع الذى أكمل لك العمل الذى كلفته به ملتزما بحديث الرسول ص " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه "" 24" يجب عيك أيضا أن تمنحه حقه الذى اتفقتم عليه كاملا وفورا ، وحذر الرسول ص من مماطلة المرء فى أداء حقوق الناس فقال صلى الله عليه وسلم ( مطل الغنى ظلم ) " 25 " فى حالة مماطلة شخص فى رد دين عليه رغم قدرته أو مماطلته فى تقسيم ميراث أو منح أجير أجرته .
ومن الأحاديث التى تحسم الكثير من أسباب الخلاف بين المسلمين قوله صلى الله عليه وسلم ( من أتلف شيئا فعليه إصلاحه ) "26 " فإذا استعار شخص ما جهازا أو آلة ليستعملها وحدثبها عطل ما أو تلفت بسبب إهمال منه أو تقصير أو ضاعت منه فهو ملزم بإعادتها إلى صاحبها و إصلاحها أو شراء بديل لها وليس كما يدعى البعضبقولهم " أننا لا نقبل العوض " فهم بهذا يعطلون سنة من سنن الرسولص وسوف يمتنع الناس عن إعارة بعضهم البعض بعد ذلك خوفا من حدوث التلف أو الضياع لممتلكاتهم ولكن إذا اطمأن الرجل أن الشىء الذى أعاره سوف يرد إليه وإذا حدث له مكروه فالمستعير ضامن له فى إصلاحه أو تعويضه عنه فلن يتردد المرء فى إعارة الأشياء لمن احتاجها وبهذا نضمن دوام مساعدة المسلمين لبعضهم وإزالة أسباب الخلاف بينهم .

وأيضا لا يرضى المسلم لغيره ما لا يرضاه لنفسه ، ونرى فى سورة المطففين حيث توعد الله تعالى وهدد من يخدعون الناس فى الوزن والمكيال وهم لا يقبلون لأنفسهم أن يخدعهم أ حد فقال عنهم ( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين )
أى أنهم يخسرون الناس فلا يعطونهم حقوقهم كاملة وإذا انتقص أحد من حقوقهم غضبوا ولهذا يستحقون من الله العذاب يوم القيامة .




ومن المعاملات التى حرمها الإسلام " الربا " لما يتسبب فيه من قهر للمحتاج وإذلال له ولما يدل عليه من خسة ونذالة من المرابى الذى يستغل حاجات الآخرين وأزماتهم فيعطيهم من ماله مقابل الزيادة عند رد المال ، فكيف يقبل المسلم أن يستغل أخاه المسلم عند ضائقته ومصيبته ؟؟!!، ولا يجوز للمسلم أن يلجأ إلى الاقتراض بالربا والا تحمل العقوبة أمام الله يوم القيامة واستحق ما حذرت منه الأحاديث من عذاب أليم فى الدنيا والآخرة إلا إذا وقع فى مصيبة ولم يجد من يسانده ولا مفر إلا اللجوء إلى المرابين وهنا يتحمل المرابى هذا الوزر وأيضا أفراد المجتمع إذا كانت لهم القدرة على مساندة هذا المحتاج وخذلوه فى ضائقته . أما إذا كان القرض بالربا بدون سبب قوى فيستحق اللعنة من أخذ ومن أعطى مثل الاقتراض من أجل شراء سيارة أو زواج أو ممارسة عمل تجارى أو فتح مشروع استثمارى جديد مما لا يمثل ضرورة فورية حقيقية . ولهذا قال تعالى ( يمحق الله الربا ويربى الصدقات ) وقال صلى الله عليه وسلم ( لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية فى الخطيئة )" 27 " وقال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات " المهلكات " : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق و أكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )"28 " وقال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله آكل الربا ومؤ كله وشاهديه وكاتبه )"29 "



ومن القواعد التى وضعها الإسلام للتجارة بين الأفراد قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا )" 30" أى أن لكل منهما الحق فى إيقاف البيع وإلغاء الصفقة ما لم ينتهى المجلس ويفترقا حينئذ يكون الأمر قد انتهى إلا بموافقة الطرفين .

ونذكر حديثا آخر له صلى الله عليه وسلم : (لا تبع ما ليس عندك )" 31 " فقد استدل العلماء بهذا الحديث على انه لا يجوز بيع السلعة إلا إذا كانت حاضرة أمام البائع والمشترى حتى لا يحدث تدليس أو خداع من أحدهما للآخر ، ولهذا نعرف القاعدة التى تقول ( إذا حزت فبع ) أي إذا امتلكت البضاعة وحزتها فلا ضير من تصرفك فيها بالبيع إذا كانت المواصفات ثابتة ومعروفة للجميع فهنا يجوز لك بيع البضاعة المملوكة لك ولو لم تأت إلى حوزتك ، فمثلا إذا اتفقت على شحنة من أجهزة التلفزيون ودفعت ثمنها فيجوز لى التصرف بالبيع فيها قبل أن تصل لأن المواصفات معروفة والسلعة فى حكم الموجودة .
ولكن من أنواع البيع ما تحيط به الريب والظنون مثل بيع المرابحة بأن يقوم التاجر ببيع السلعة بسعر أعلى من سعرها الأصلي مقابل تأجيل الدفع ، ورغم امتلاك التاجر لهذه السلعة إلا أنها تحاط بشبهة الربا . وهناك نوع أشد وضوحا وهو أن يذهب رجل ما إلى شخص من ذوى اليسار والغنى فيطلب منه أن يشترى له أجهزة منزلية قيمتها مثلا عشرة آلاف جنيه ويردها هو إليه بعد ذلك اثنا عشر ألف جنيه مقابل التأجيل . وهنا نلاحظ عدم امتلاك الشخص الآخر للسلعة وبالتالي يبيع ما ليس فى حوزته وانه رفع قدر المال مقابل التأجيل ، فما الفرق إذن بين ذلك وبين أن اقترض منه مالا وأرده بقيمة أعلى بعد فترة مما يعتبر ربا فاضحا ؟ 



حكم التجارة


وما دام الكلام حول التجارة وما يتعلق بها فإني أرى أن أعرض عليها بشيء من التنبيه لعل هناك من يهتم بهذا الموضوع: التجارة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] ويقول عليه الصلاة والسلام: (التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي ، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة، وعمل بها أكثر العشرة المبشرين بالجنة من الصحابة، وعملها كثير من الصحابة، وهي من أفضل طرق الكسب وأشرفها، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام وقد سأل عن أطيب الكسب؟ فقال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) رواه الإمام أحمد في المسند بسند صحيح





 السماحة
أن يكون التاجر سمحاً، وأن يترفع عن التضييق والمشاحة في بيعه وشرائه، يقول عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى) لأن بعض الناس إذا جئت تشتري منه أو تبيع منه يجف حلقك قبل أن يعطيك هذه السلعة، لا يا أخي، لتكن سمحاً، قل كلمةً واحدة، أعطِ الناس السعر وأرح نفسك، لكن لا تفاصل ولا تضيق حتى تحرج الناس وتخسر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.



 الصدق

الصدق في الأسعار؛ لا تكذب؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (… التاجر الأمين الصدوق …) هكذا كان تجار الصحابة وتجار السلف صادقين لا يعرفون الكذب أبداً، وأحد السلف وضع غلامه مكانه وذهب يصلي، ولما رجع جاءه الغلام فبشره، وكان يبيع الشملات، الشملة بمائتي ريال، فقد قال الغلام لعمه: لقد بعتها بأربعمائة.
يعني كَسَّبْتُك، فالذي اشترى مسكين لا يعرف الأسعار، فباعها بأربعمائة.
قال: أين هو؟ قال: ذهب.
قال: اذهب وائت به.
فذهب ليبحث عنه فما وجده.
قال: ائت به وأنت حر لوجه الله.
فذهب العبد وجَدَّ في البحث إلى أن أتى به.
قال: سيدي يريدك.
قال: ماذا يريد مني؟ قال: يريدك.
قال: ألم أشتر أنا؟ قال: لا.
السعر ليس بصحيح.
فتصور الرجل أن البائع سيزيد في الثمن، ولما جاء إليه قال له: السعر الذي باع لك به الغلام غير صحيح.
قال: إني رضيت.
قال: لا، أنت اشتريت بأربعمائة والثمن مائتان، هذه مائتان أو خذ شملة أخرى.
قال: بارك الله لك في رزقك. هؤلاء التجار بالفعل، لكن لو أن أحداً من تجارنا باع له عامله شيئاً بزيادة في السعر ماذا سيقول له؟ سيقول له: أحسنت! الله يبارك فيك.
ويمدحه؛ لأنه زاد له حراماً والعياذ بالله! فالصدق مطلوب، فقد كان التاجر إذا استفتح في أول النهار وجاءه مشترٍ يبيع له، فإذا جاء مشترٍ ثانٍ يقول له: اذهب لجاري..
لماذا؟ يقول: قد استفتحت، لكن الآن يراه من هناك فيناديه: تعال، لا تأتِ عند جاري، الجيد عندي والخبيث عند جاري..! أين الصدق؟ وأين الأمانة أيها الإخوة؟! لا بد أن تكون صادقاً، والصدق في التجارة من أعظم أنواع الكسب؛ لأنك تكسب ثقة الناس، إذا عرف الناس أنك صادق في أقوالك فإن الناس كلهم يأتونك، وإذا عرفوا أنك كذاب تهامزوا عليك في كل مجلس وميدان، كذبت مرة ونجحت بها لكنك تخسر بعد ذلك في الدنيا وتخسر في الآخرة.
 بيان العيوب التي في السلع
بيان العيوب في السلعة؛ لأنك إذا بينت العيب بارك الله لك، وإذا كتمت العيب محقت بركة بيعك، مثلاً إذا أردت أن تبيع سيارة وأنت تعلم أن بها كسراً أو عطلاً، فمن الناس مَنْ إذا قلت له: بَيِّنْ السلعة.
قال لك: إذا بينتها نقص الثمن.
كذبت! نقص الثمن لكن ارتفع رصيدك عند الله، إذا أتيت بالسيارة وقلت: لا أعرف ما فيها.
فإنها تباع بعشرة آلاف، ولكن إذا قلت: السيارة بها عطل، فإنها تباع بخمسة آلاف، فماذا خسرت وماذا ربحت؟ خسرت خمسة آلاف لكن كسبت رضا الله سبحانه وتعالى، فبين، ولا يجوز شرعاً أن تقول: لا أدري، أو اكشف عليها، أو (سكر في ماء) لا ندري عنها.
لابد أن تبين العيب، يقول صلى الله عليه وسلم : (فإن صدقا وبينا بورك لهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) ولهذا تجد أكثر الناس في بيعه وشرائه لا توجد بركة ولو كان رصيده بالملايين والعياذ بالله! ولا يرى إلا الفقر بين عينيه، لكن لو أن عنده تجارة شرعية لكان الإيمان يملأ قلبه، ورصيد الإيمان هو الذي يسهل له كل أموره في دنياه وفي آخرته.
 عدم المبالغة في الوصف لإغراء المشتري
عدم المبالغة في تزيين السلعة وإغراء المشتري في شرائها، ويدخل في هذا الإعلانات التجارية، فتراهم يبالغون حتى يصفوها بشيء ليس فيها، ولكن إذا وصَفْتَ فَصِفْها بالصدق ولا تبالغ، وإذا أعطيت السلعة وصفاً ليس فيها وبالغت فيه وترتب عليه شراء هذه السلعة فقد غششت المسلم، ومن غش مسلماً فليس من المسلمين، هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم.
 التبكير في العمل التجاري
ومن الآداب الشرعية: التبكير في العمل التجاري، وهذا ضائعٌ اليوم والله المستعان! ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فقال: (بارك الله لأمتي في بكورها) إذا بكَّر التاجر من الصباح، والمزارع، والعامل تجد أحدهم يومه كله بركة، لا ينتهي اليوم إلا وقد أنجز كثيراً من أعماله، لكن إذا نام إلى الساعة العاشرة أو الحادية عشرة أَذْهَبَ بركة يومه، يُؤَذَّن للظهر والعصر والمغرب وكأنه لم ينجز شيئاً، ولا ينقضي له أمر، وإذا انقضى فبالكاد، البركة موجودة في عمل البكور، فحاول إذا كنت صاحب عمل تجاري أن تبكر.
والتبكير هذا يقضي على سهر الليل؛ لأن الناس الآن لماذا ينامون في الصباح؟ لأنهم يسهرون في الليل، وعلى ماذا يسهرون؟ يسهرون على معصية الله: على الأفلام والدشوش، والمسلسلات والشر؛ يترتب على هذا ضياع ليلهم ونهارهم، ودنياهم وآخرتهم إلا من رحم الله.
 عدم الاتجار في الحرام
من الآداب: عدم المتاجرة فيما حرم الله سبحانه وتعالى من الأشياء المحرمة مثل: الخمور والمخدرات، أو المفترات كالدخان، أو غيره من الخبائث.
لا تبع إلا الحلال؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، حتى الدخان، فقد أفتى العلماء بحرمته ولذلك لا يجوز لك أن تبيع فيه وتشتري ولو كنت لا تشربه، لأن بعض الناس يقول: أنا والله لا أشربه لكن أبيعه.
وهذه هي المصيبة، ما من (سيجارة) تباع من دكانك إلا وعليك إثمها إلى يوم القيامة، ليتك تشرب فحسب، الذي يشرب يشرب (باكت)، لكنك بعت ألف (باكت)، فكان كما لو شربت ألف (باكت)، وعليك إثمها إلى يوم القيامة.
لا تبع الدخان؛ لأنك مسلم ومأمور بأن تحمي مجتمعك من هذه الشرور.
 تجنب الحلف حال البيع والشراء
تجنب الأيمان في البيع والشراء، فإن (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان في عطائه، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) لا تحلف على أي شيء ولو كنت صادقاً؛ لأنك إذا حلفت اليوم وكنت صادقاً حلفت غداً وأنت كاذب، لكن لا تحلف لا بَرّاً ولا فاجراً، إن الذي يجلب لك الزبائن هو صدقك، وأيضاً تنزيل سعرك، فأنت قد تبيع مثلاً سلعة بعشرة ريالات وهي في السوق تباع بخمسة ريالات، ويشتريها أحد الناس بعشرة وبعد ذلك يكتشف مع الأيام أنها بخمسة، هذا الشخص يتحول إلى لوحة دعائية ضدك في كل مكان، يحذر الناس منك.
لكن إذا بعتها بخمسة ريالات يصبح لوحة دعائية لك في كل مكان، يقول: فلان هذا يبيع بسعر جيد.
إذاً الذي يجلب لك المشترين هو الصدق، والمراعاة، وخفض الأسعار. وهذا الأسلوب عند اليهود، فعقلياتهم تجارية ولهذا استحوذوا على رءوس الأموال، وإن كانوا لا يكسبون كثيراً في السلع، فمثلاً سلعة بريال يكسب فيها (قرشاً) ويبيع ألف سلعة، لكن بعض تجار المسلمين إذا كانت السلعة بريال يكسب فيها ثلاثة ريالات، فيبيع ثلاثة أرباع ويظل الباقي في متجره أو يرميه بعد ذلك، ثم يشتري بضاعة أخرى جديدة.
اكسب قليلاً حتى تيسر على الناس وأنت بالتالي تبيع بضاعتك، وتكسب أنت قبل أن يكسب الناس.
 الوفاء في الكيل والميزان والزرع
هذا مطلوب في التاجر؛ لأنه إذا نقص وطفف فقد توعده الله عز وجل بالويل: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3] بل زد، فإذا بعت ورأيت أن الميزان قد استوى فزد قليلاً..
فذلك بركة وصدقة، وسيعود المشتري مرة أخرى إذا رأى أن وزنك جيداً، لكن إذا وزنت له بالتمام دون أدنى زيادة يقول: الله أكبر عليه، لو زاد في الميزان ولو قليلاً! ولا يرجع إليك مرةً أخرى، فزد له لك يزد الله سبحانه وتعالى.
 عدم ترك العبادات من أجل التجارة
عدم المتاجرة في الأوقات المحرمة التي حرم الله عز وجل البيع والشراء فيها، مثل: بعد الأذان الثاني يوم الجمعة؛ لأن الله عز وجل نهى عن ذلك فقال: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9].
أيضاً: أوقات الصلوات، إذا أذن المؤذن فأقفل الدكان ولا تبع ولا تشترِ، وأي مشترٍ يأتيك بعد الأذان فهو شيطان يريد أن يصرفك عن الله، فقد كان الصحابة إذا كان الميزان في يد أحدهم وسمع المؤذن يقول: الله أكبر.
لا يكمل الوزن، ويقول للمشتري: اذهب وائتني بعد الصلاة؛ حتى يبارك الله له في تجارته.
  عدم التعامل بمعاملة محرمة كالربا
الحذر -أيها الإخوة- من البيوع المحرمة ومنها الربا؛ لأن الله أحل البيع وحرم الربا وهو رأس أو قمة البيوع المحرمة، الربا الذي فشا وانتشر ووقع فيه كثير من الناس في هذا الزمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل نبوته حيث قال: (يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا، ومن لم يأكله أصابه من غباره) فكثير قد أكلوا الربا والبقية في الغبار، أما التعامل السليم مائة بالمائة فلا يوجد أحد إلا من شاء الله، فاجتنب الربا؛ لأن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، بل عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات -أي: المهلكات- وقرنه بالشرك بالله وقتل النفس والسحر والتولي يوم الزحف فقال: (وأكل الربا) وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خمسةً كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وما أذن الله بالحرب على صاحب ذنب كما أذن على صاحب الربا فقال: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:279] ومن حاربه الله غلبه. وأخبر صلى الله عليه وسلم عن أقل الربا فقال: (الربا بضع وسبعون حوباً) أي: ذنباً، صورة، شكلاً (أدناها) يعني: أقل شيء، في الدرجة السفلى (كأن ينكح الرجل أمه) وهذا في سنن ابن ماجة وحسنه الألباني. وفي مسند أحمد يقول عليه الصلاة والسلام: (درهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ست وثلاثين زنية في الإسلام) هذا ذنب ليس سهلاً، والله سبحانه وتعالى أخبر أنهم يقومون يوم القيامة كالذي يتخبطه الشيطان من المس، كل إنسان يقوم بعقله إلا صاحب الربا يقوم وهو يتخبط، قد أصابه الجنون بسب الربا، وإن صاحب الربا يبعث يوم القيامة وبطنه مملوءة بجميع الأموال الربوية كثرت أو قَلَّت، حتى إن بعضهم يأتي وبطنه مثل الجبل وجسمه هو نفسه، جسمه صغير لكن بطنه مثل الجبل مليئة بالسيارات والعقارات والعمارات، وهو يسحبها يوم القيامة، فارحم نفسك من هول ذلك اليوم.
بل في صحيح البخاري من حديث سمرة قال عليه الصلاة والسلام: (ثم أتينا على رجل يسبح في نهر من دم، وعلى طرف النهر رجل عنده حجارة، فيأتي ذلك الرجل الذي يسبح فإذا قرب من الشاطئ رماه بحجر في فمه، فيرجع إلى طرف النهر ثم يأتي) وتصوروا واحداً يسبح في دم، أنت إذا وقعت نقطة دم في ثوبك تتقزز، كيف بواحد يسبح في الدم! (قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آكل الربا) هذا عذابه إلى يوم القيامة، فاتق الله في نفسك يا أخي! ما هو الربا؟ الربا ينقسم قسمين: ربا فضل وربا نسيئة، ربا الفضل: معاوضة مال بمال بزيادة، أعطيك عشرة آلاف وتعطيني أحد عشر ألفاً، نسبة: عشرة أو اثنان أو ثلاثة في المائة..
هذا ربا الفضل.

ربا النسيئة: لك مال عند إنسان وحان الأجل وما سددت فتقول له: سدد ما عليك أو زد ولا أسألك، عشرة آلاف ريال يجب عليك سدادها الآن أو أشكوك للجهة المسئولة.
فيقول لك: ما عندي.
وتقول له: حسناً، فلتكن المدة سنةً أيضاً وتصير أحد عشر ألفاً..
هذا ربا الجاهلية، نَسِّئْ وَزِدْ، فلا تعمل بهذا العمل.
ومنه ربا العينة، وهي: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ويسترجعها بثمن حال.
هذه اسمها عينة، لأنها حيلة على الربا، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم). وجميع البيوع الأخرى المحرمة التي ليس هذا مجال تفصيلها ينبغي للمسلم أن يكون على فقه في دينه فيما يحل أو يحرم في معاملات التجارة، وإذا كان صاحبَ عملٍ كبير فليأخذ له رجلاً متخصصاً ليعمل عنده، مثلاً: إذا كان لا يعرف المحاسبة القانونية فليوظف شخصاً شرعياً ويقول له: اشرف على الأعمال، إذا كان هناك حرام فهو في ذمتك، أنا لا أريد حراماً، أنا أريد حلالاً في حلال.
هل تتوقع إذا عملت هذا أن الله سبحانه وتعالى سينقص مالك؟ لا والله، بل يزيده لأنك تريده (من ترك شيئاً لوجه الله عوضه الله خيراً منه). هذه -أيها الإخوة- هي بعض الوصايا والآداب التي ينبغي لرجل الأعمال المسلم أن يتمسك بها في تجارته؛ حتى يجعل الله سبحانه وتعالى في تجارته بركة، ويعيش حياة مباركة، ويموت ويلقى الله سبحانه وتعالى وأمامه العمل الصالح الخير
Description: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifيَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40]. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يجزي إخواننا الذين أتاحوا لنا هذا اللقاء والقائمين على مركز الدعوة والإرشاد واللجنة والغرفة التجارية خيراً، وأن يجزيكم أنتم خيراً في مجيئكم في هذه الليالي التي تكون المحاضرات فيها غير مقبولة وثقيلة؛ لأن الإنسان يخرج من صلاة التراويح والعشاء وقد تعب وهو بحاجة إلى أن يذهب ليتناول شيئاً من الطعام، وليؤانس زوجته وأهله، ولكن أجركم على الله سبحانه وتعالى.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




من فضلك شارك هذا الموضوع اذا اعجبك

ضع تعليقا أخي الكريم

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

تعليقات ذات فائدة علمية

جميع الحقوق محفوظة E - Commerce ©2012-2013 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . Privacy-Policy | فريق التدوين