Work and profit : التجارة في الإسلام

التجارة في الإسلام


 التجارة في الإسلام

        Trade in Islam 








التجارة في الإسلام

تشتكي الأمة الإسلامية من زمن قد انتشر فيه الضعف و الوهن لدى المسلمين, فلم يتأخر المسلمون في أمور دينهم فحسب, بل إنهم قد تأخروا أيضا في أمور دنياهم, فبقي المسلمون بلا دين و لا دنيا, و مما يجب التنبيه و الإشارة إليه أنه لن تقوم للمسلمين قائمة حتى يتزنوا و يجدوا المعادلة الصائبة للجمع بين الدين و الدنيا مصداقا لقوله تعالى: ((و ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا)) {سورة القصص آية 77}.

و من هذا المنطلق, أحببت أن أبدأ في كتابة سلسة من المقالات الموسومة بـ((دين و دنيا)), على أمل أن تتجدد أطروحاتي, علَّ أن ينفع الله بها و تكون سببا في تهيج الحنين نحو النهوض بهذه الأمة, بعد أن أضنانا التذيل في القاع, فنحن أمة أوجدنا الله جل و على من أجل أن نقود لا من أجل أن ننقاد, و الحمد لله على ما نرى في الآونة الأخيرة من البشائر التي لا يراها إلا المتفائل.

جلست مع أحد الأخوة الأفاضل في يوم من الأيام في المدينة النبوية و أخبرني بأنه لا يثق بالشيخ الفلاني من أجل أنه تاجر موفق و ثري, فهالني ما سمعت و أزعجني, و أسرعت في الدفاع عن هذا الشيخ الفاضل الذي أعرفه معرفة جيدة, و أحسبه و الله حسيبه أنه من أهل العلم و التقوى و لا أزكي على الله أحدا, فأخبرني صديقي بأنه كيف يكون هذا الرجل شيخا و تاجرا, أي أن التجارة من أمور الدنيا التي لا ينبغي للمشايخ و الفضلاء أن يقحموا أنفسهم فيها. و هذا المثل للأسف يوضح و يجسد النظرة الآحادية لدى مجتمعاتنا الإسلامية, و هي أنه لا يُجمع بين الدين و الدنيا, و هذا يصادم ما جاء به الإسلام من النظرة المزدوجة للدين و الدنيا, فمبدأيا و أساسا لا يستطيع المرء الوصول إلى الآخرة إلا بعبور الدنيا, و هذا العبور يستلزم الحياة فيها, و هذه الحياة لا بد فيها من العبادة بلا شك, و لكن لا بد فيها أيضا من أكل و شرب و سكن إلى آخره مما يندرج تحت العبادة إن أحسن المسلم النية. إذن فلا بد أن نعيد إحياء فكرة أن الإسلام دين و دنيا, فأكثر أحكام الإسلام الفقهية تتعلق بالأعمال و المعاملات الدنيوية, بل إن العبادة نفسها فعل يقع في الدنيا.

و من هذا المنطلق أحببت أن أتحدث عن التجارة في الإسلام, و بعض ما سأنقله قد يثير العجب لدى الكثير من القراء الذين يحيدون عن التوسط و الإعتدال في تطبيق الإسلام العملي. يكفيك أن تعلم بأن خير من وطىء الثرى نبينا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم كان تاجرا و قد قال الله سبحانه و تعالى: ((و ما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام و يمشون في الأسواق)) {سورة الفرقان آية 20}. فأخبر سبحانه أن الأنبياء كانت لهم تجارات و صناعات, و قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد: ((إن النبي صلى الله عليه و سلم باع و اشترى و شراؤه أكثر, و آجر و استأجر و إيجاره أكثر, و ضارب و شارك و ووكّل و توكل و توكيله أكثر)). بل يكفيك أيها القارىء الكريم أن تعلم بأن النصف من العشرة المبشرين بالجنة كانوا تجارا, و هم: ((أبو بكر الصديق, و عمر الفاروق, و عثمان بن عفان, و الزبير بن العوام, و عبد الرحمن بن عوف رضي الله عن الجميع)) كما ذكر ذلك الخزاعي في تخريج الدلالات السمعية, و هم من هم في الجلالة و القدر. و مع ذلك فقد كانوا من أمهر و أغنى التجار, فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب بأنه كان للزبير رضي الله عنه ألف مملوك يؤدون إليه الخراج. و عثمان رضي الله عنه جهز جيش العسرة بأكمله, و اشترى بئر رومة للمسلمين. و الأمثلة على ذلك كثيرة, بل كثيرة جدا ليس هنا مقام بسطها.

طلب الرزق و التكسب واجب و فريضة, و هو الكسب بقدر الكفاية للنفس و العيال و قضاء الدين, و يستحب الزيادة على أدنى الكفاية ليواسي به فقيرا أو يجازي به قريبا. و قد وردت في التجارة و التجار عدة أحاديث, منها:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة)) رواه ابن ماجه و الحاكم و قال: صحيح.

و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: ((تسعة أعشار الرزق في التجارة)) أخرجه سعيد بن منصور و قال المناوي: و رجاله ثقات.

و قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((أوصيكم بالتجار خيرا فإنهم بُرُدُ الآفاق و أمناء الله في الأرض)) أخرجه الديلمي.

و الإسلام كما هو معلوم لم يبح التجارة مطلقا, بل جعل لها ضوابطا و حدها بحدود حتى يحمي المجتمع من الانحراف, و ليس هذا فحسب, بل فرض على الأغنياء زكاة تؤدى إلى الفقراء حتى تطيب نفوس الفقراء, و لا ينتشر الحسد و البغض في المجتمع.

و من التجارة ما هو مذموم, و هي التجارة التي تشغل عن أمور الدين و تحمل الإنسان على الإقبال و الإنهماك في الدنيا, و على هذا يُحمل قوله صلى الله عليه و سلم فيما رواه البخاري: ((التجار هم الفجار)), أي التجار الذين ينشغلون عن أمور دينهم بالتجارة. قال الله تعالى ذاما لهؤلاء: ((و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها و تركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو و من التجارة و الله خير الرازقين)) {سورة الجمعة آية 11}.

و مما يجب التنبيه إليه أنه لا يجوز للتاجر أن يتاجر حتى يتعلم أحكام الله في التجارة, و هذا بإجماع الفقهاء كما نقل ذلك الشافعي في رسالته و الغزالي في الإحياء. و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطوف بالأسواق و يضرب بعض التجار بالدرة و يقول: ((لا يبع في سوقنا إلا من تفقه, و إلا أكل الربا شاء أم أبى)). فإذن لا بد للتاجر أن يتعلم فقه التجارة و أحكامها الإسلامية قبل أن يعمل حتى لا يقع في الحرام من حيث لا يعلم, و العلم في هذا الزمان قريب و ميسر و لله الحمد, و العلماء جمعوا هذه الأحكام و لخصوها في كتب صغيرة لا تتعدى المجلد ككتاب (ما لا يسع التاجر جهله) للشيخ عبد الله المصلح و الشيخ الصاوي على سبيل المثال لا الحصر. و حبذا كذلك لو أضافت كليات التجارة في العالم الإسلامي إلى منهجها أحكام التجارة فقهيا حتى لا يتخرج الطالب إلا و هو ملم بهذه الأحكام حفظا لماله و للمجتمع.

و في الختام لا شك بأن التجارة من مصادر القوة لدى المسلمين, فنعم المال الصالح بيد الرجل الصالح. فالتجارة تتسبب بالربح الذي به نستطيع بناء المساجد و المرافق و المدارس, و التجارة تمكن المسلم من الاحتكاك بسائر المجتمعات, مما يؤدي إلى انتشار الإسلام بين الناس إذا تحققت أخلاق الإسلام السامية لدى التجار. و من هنا يجدر التنبيه بأنه يجب على التاجر أن يتحلى بأسمى الأخلاق كي يؤثر ذلك في غير المسلمين تأثيرا إيجابيا, و هل فتحت بلاد جنوب شرق آسيا و دخل فيها الإسلام إلا بحسن أخلاق تجار المسلمين بعد توفيق الله ؟ و ليتذكر التاجر قول النبي صلى الله عليه و سلم: ((إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى و بر و صدق)) رواه ابن ماجه. و لا يعاب أبدا الرجل الصالح بأن يتاجر و إلا للزم من ذلك تعييب الأنبياء عليهم السلام و حاشهم, بل إن المال في يد الرجل الصالح غنيمة و مصلحة للإسلام و المسلمين إذ أن له سلطة و نفوذ, و من المتقرر أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.





آداب مزاولة التجارة في الإسلام

لا يماري أحد في زماننا في تقلص الوازع الديني أو انحساره لدى طوائف من الناس، أعماهم حب الدنيا وجمع المال بحيث لا يرون غير ذلك، ونتيجة لهذا فإن أمثال هؤلاء قد يدفعهم حرصهم على جمع المال إلى أن يجعلوا الغش والتدليس والكذب أسلوب حياتهم ومنهجهم بها، بحيث لا يسلم أحد من تدليسهم وغشهم وتمويههم، وتأتي مزاولة التجارة ضمن المهن التي يتصور في أكثر ممارساتها ذلك، ويرد الخطر من تعامل الناس مع بعض التجار الذين يمارسون هذا الأسلوب عند بيعهم سلعة تشتد حاجة الناس إليها أو يضطرون إلى ابتياعها منهم، إن كانت تمثل حاجة أو ضرورة من ضروريات حياتهم 

ولذا فقد وضع الشارع آدابا لمزاولة التجارة، جاء أكثرها في صورة نواه وبعضها في صورة أوامر، ومن ذلك ما يلي 

 التزام الصدق عند التعامل بيعا وشراء ونحوهما

 يدل على هذا ما روي عن رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه : «أنه خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى البقيع والناس يتبايعون، فنادى يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورفعوا أعناقهم وأبصارهم، فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق»(سنن الترمذي)، مما يدل على طلب الشارع الصدق من المتعاملين والبر في معاملاتهم مع غيرهم.
وقد حض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الصدق عامة، فقد روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن الصدق يهدي الى البر، وإن البر يهدي الى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا، وإن الكذب يهدي الى الفجور، وان الفجور يهدي الى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا»(صحيح البخاري.

عدم الغش أو التدليس

 ومن آداب مزاولة التجارة عدم غش التاجر من يتعامل معهم وعدم تدليسه عليهم فيما يبيع لهم، يدل على هذا ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني»(صحيح مسلم)، وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «مر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برجل يبيع طعاما، فأدخل يده فإذا هو مبلول، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ليس منا من غش»(صحيح أبي داود)، وهذا غش قصد منه إيهام الناس بأن الطعام صالح للاستعمال الآدمي، إلا أنه في الحقيقة ليس كذلك، وفيه إضرار بصحتهم واضاعة لأموالهم، وقد نهى الشارع عن ذلك.

 
البيان وعدم الكتمان

 وبيان ما في المبيع واجب وخاصة فيما يتعلق بالعيوب التي تؤثر في الانتفاع به، والتي تخل بمقصود المشتري من شرائه، إذ روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بيّنه له»(صحيح ابن ماجه)، وعن أبي سباع رضي الله عنه قال: «اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركني يجر إزاره فقال: اشتريت؟، قلت: نعم، قال: أبيّن لك ما فيها، قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: أردت بها سفرا أو أردت بها لحما؟، قلت: أردت بها الحج، قال: فارتجعها، فقال صاحبها ما أردت إلى هذا أصلحك الله، تفسد علي، قال: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه»(صحيح الترغيب 


عدم تغرير التاجر بمن يتعامل معه

 نهى الشارع التاجر الذي يقيم في الحضر عن أن يتولى بيع السلعة التي يجلبها البدوي، فقد روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض»(صحيح ابن ماجه)، أي لا يتولى هو عملية بيع السلع التي جلبها أهل القرى والبدو، لما في ذلك من إغلاء السلعة على أهل المدينة، وحرمان أهل القرى والمدن من مباشرة بيع سلعهم والمماكسة عليها، وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن النهي الوارد في الحديث، فقال: «لا يكون له سمسارا»(صحيح البخاري)، أي لا يكون الحضري سمسارا للبدوي، وذلك لأن من أتى بالسلع من البادية إذا ترك وشأنه فإنه سيبيعها بسعر أقل مما سيبيعها به الحضري، بخلاف الحضري إذا تولى بيعها، فإنه سيغلي سعرها على الناس ويرهقهم بذلك، وهذا ينافي مقصود الشارع من معاملات الناس، كما نهى الشارع عن تلقي الجالبين للسلع قبل أن ينزلوا بها السوق، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار»(صحيح مسلم)، والنهي عن التلقي يتضمن أمرين: أولهما، النهي عن استغلال جهل الجالبين للسلع بسعر سلعهم في السوق، والنهي عن استغلال حاجة الناس الى السلع المجلوبة وإغلاء سعرها عليهم، ولذا فقد جعل لجالب السلعة الخيار بين إمضاء البيع أو رده إذا اتى سوق المدينة فوجد سعر سلعته فيه بخلاف ما باعها به.

 
عدم احتكار السلع التي تشتد حاجة الناس إليها

 فقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن احتكار ما تشتد حاجة الناس إليه، وتوقعهم ندرته في حرج وضيق، ومن الأحاديث التي ورد النهي فيها عن الاحتكار: ما روي عن معمر بن عبدالله بن فضالة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «لا يحتكر إلا خاطئ»(صحيح مسلم)، وروي عن عمر رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس»(الترغيب والترهيب)، وروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا، فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى»(الترغيب والترهيب)، وجمهور الفقهاء على أن ما يحرم احتكاره هو أقوات الآدميين والدواب، بينما يرى فريق من الفقهاء منهم المالكية حرمة احتكار كل ما يحتاجه الناس وإن لم يكن من قبيل الأقوات، فيدخل على هذا احتكار مواد البناء والأدوية والثياب والسلع الاستهلاكية ونحوها من كل ما يحتاجه الناس ويترتب على احتكاره ضيق لهم وعنت واضرار بهم.

عدم الحلف كذبا لترويج السلعة أو اقتطاع مال الغير بغير وجه حق

 فقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فقلت: من هم يا رسول الله فقد خابوا وخسروا، قال: المسبل إزاره، والمنان عطاءه والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»(صحيح ابن ماجه)، ومعنى المنفق سلعته بالحلف الكاذب: أي من يحلف كاذبا لبيع سلعته، كما نهى الشارع عن الحلف الكاذب لأخذ مال الغير بغير حق، إذ روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «من حلف على يمين، وهو فيها فاجر، ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان»(صحيح البخاري.

الحذر من الدنيا

وذلك لأن ما ليس عند البائع ليس في ملكه، ولا يحل للإنسان أن يبيع ما لا يملك، لما روي عن يوسف بن ماهك أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: «يا رسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق، قال: لا تبع ما ليس عندك»(سنن أبي داود)، ومعنى هذا أنه يحرم على البائع أن يبيع شيئا ليس مملوكا له، إذ العندية في الحديث يقصد بها أن المبيع ليس في ملكه، وانما في ملك غيره

الجذر من الربا

وذلك للنصوص الكثيرة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة الدالة على حرمة المعاملات الربوية، من مثل قول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}(البقرة: 278­279)، وقوله سبحانه: {وأحل الله البيع وحرم الربا}(البقرة: 275).

البعد عن الإضرار بأهل السوق من التجار

 إذا لا يجوز للتاجر أن يبيع سلعته بأرخص مما يبيع أهل السوق، رغبة في الإضرار بهم، وإحداث الكساد لتجارتهم، وقد نهى عمر رضي الله عنه خليفة المسلمين التجار عن الإضرار بزملائهم في السوق، ببيع سلعهم بأرخص مما يبيع به سائرهم، فقد روي عن سعيد بن المسيب: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وهو يبيع زبيبا له في السوق، فقال له عمر: إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا»(سنن البيهقي)، وما روي عن عمرو بن شعيب قال: «وجد عمر بن الخطاب حاطب بن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف تبيع يا حاطب؟، فقال: مُدّين، فقال له عمر: تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا واسواقنا، وتقطعون في رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعاً وإلا فلا تبع في سوقنا، وإلا فسيرورا في الأرض واجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم»(مصنف عبدالرزاق)، وقول عمر رضي الله عنه ذلك لحاطب يدل على حرمة مخالفة بعض البائعين للسعر الذي تواضع عليه سائرهم لبيع سلعهم به في السوق، ولهذا طلب عمر من حاطب الالتزام بنظام السوق في البيع، حتى لا يضر بمن يبيعون نفس السلعة، أو يجلب سلعته ثم يبيعها في أي موضع آخر غير السوق، وفي هذا حماية للبائعين حتى من زملائهم الذين يبيعون نفس السلعة في السوق.

 

ضوابط التجارة في الاسلام

التجارة في الإسلام هي إحدى فعاليات الاقتصاد الإسلامي التي تستمد أسسها من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ومعطيات الفقه الإسلامي التي استوعبت، وما تزال تستوعب، المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة. وإن هذه الفعالية شأنها شأن الفعاليات الاقتصادية الإسلامية الأخرى.. هي نسيج من الاقتصاد والأخلاق المنضبطين بضوابط الشريعة التي تعد الركيزة الأساسية لإقامة سوق إسلامية أصلية ملتزمة بما أحل الله، ومنتهية عما حرم الله عز وجل، وعليه فإن هذه الفعالية هي حتماً منضبطة بجملة من الضوابط العقائدية، والتشريعية، والأخلاقية، والاقتصادية التي تشكل معاً نسيج الشريعة وهو ما يسعى هذا البحث لإثباته وذلك في سبعة فصول:
الفصل الأول: وعنوانه "في الاقتصاد الإسلامي والتجارة". وقد اشتمل على مبحثين: تناول المبحث الأول الكلام عن الأسس المذهبية للاقتصاد الإسلامي. وتناول المبحث الثاني التعريف بماهية التجارة، وأنواعها، وموقف الإسلام منها، وأهميتها

أما الفصل الثاني: فكان عنوانه "تنظيم الإسلام لعقود التجارة"... وقسمته على ثلاثة مباحث. تناول المبحث الأول تكوين عقد البيع من تعريف، ومشروعية، وأركان وشروط. وتعرض المبحث الثاني لأهم أنواع الخيارات المشروعة في عقد البيع، وما يتعلق بكل نوع من هذه الخيارات من أحكام. وعالج المبحث الثالث أهم العقود التجارية وما يتعلق بها من أركان وشروط، وأهمية اقتصادية، وذلك عن طريق الكلام على أنواع عقد البيع بالترتيب

أما الفصل الثالث: فقد كان عنوانه "الضوابط الأخلاقية في مجال التجارة" وجعلته في ثلاثة مباحث. وخصصت المبحث الأول منها للحديث عن مكانة الأخلاق في الاقتصاد الوضعي (الرأسمالي، والماركسي). وتعرض المبحث الثاني للضوابط الأخلاقية الإسلامية الكلية وانعكاساتها الاقتصادية، على النشاط الاقتصادي عموماً. وتناول المبحث الثالث الضوابط الأخلاقية للتاجر المسلم في السوق، والتي تعبر عن أثر الرقابة الذاتية الداخلية في سلوك التاجر المسلم

أما الفصل الرابع: فقد كان بعنوان "الضوابط المتعلقة بالثمن"، وهو مقسم إلى ثلاثة مباحث. تعرض المبحث الأول لماهية الأموال وأنواعها، ومعنى القيمة وأنواعها في الفكر الوضعي، والتيارات الفكرية في تحديد القيمة، ومفهوم السعر في الفكر الوضعي وعلاقته بالقيمة، وإلى نظرية القيمة في الفكر الاقتصادي الإسلامي، وإلى مفهوم السعر والثمن في الاقتصاد الإسلامي، وإلى الفرق بين الثمن والقيمة في المفهوم الإسلامي، وأنواع الثمن، وكيف يتحدد كل ثمن من هذه الأثمان، وظروف الركون إلى ثمن المثل.
أما المبحث الثاني، فقد تعرض لضوابط الثمن، وما يندرج تحت تلك الضوابط. وخصص المبحث الثالث للحديث عن مفهوم التسعير في الاقتصاد الإسلامي، تكلمت فيه عن ماهية التسعير، وآراء الفقهاء فيه، والحالات التي يسعر فيها، وما يشمله التسعير من سلع، وصورة التسعير الإسلامي، وعقاب مختلفة التسعير

وعرض المبحث الرابع، بعض الأحكام التي لها أثرها في استقرار التعامل التجاري. وجاء المبحث الخامس خاتمة للفصل حيث ناقش أهم البيوع المنهي عنها بسبب الثمن.
وجاء الفصل الخامس: فقد عنوان بـ"الضوابط المتعلقة بالسلعة" وقسم إلى أربعة مباحث. المبحث الأول، وقد خصص للكلام عن مفهوم الحاجة، ومفهوم السلعة، في كل من الفكر الاقتصادي الوضعي، والفكر الاقتصادي الإسلامي، وأنواع السلع، وترشيد العمليات الاقتصادية من إنتاج وتبادل واستهلاك في الاقتصاد الإسلامي ، وحدود تدخل الدولة في تلك العمليات.
أما المبحث الثاني، فقد خصص للحديث عن السلع والمنتجات التي يحرم الإسلام الاتجار بها. وجاء المبحث الثالث ليتعرض للحديث عن التغرير في السلع وصور ذلك التغرير، وللحديث -أيضاً- عن الغرر في العقود التجارية، والتي يرجع بعضها إلى عدم القدرة على تسليم السلعة أو الجهالة بأوصاف تلك السلعة. وتعرض المبحث الرابع لأهم البيوع التي يدخلها الغرر.
أما الفصل السادس: فقد كان بعنوان "ضوابط تحريم المعاملات الربوية والاحتكارية" وجعل في مبحثين

خصص المبحث الأول للحديث عن ماهية الربا، وأنواعه وتحريم الإسلام له، والحكمة في تحريمه، والأموال التي يجري فيها الربا، وعلة الربا، وضوابط صحة تبادل الأموال الربوية، ونظريات الفائدة في الفكر الوضعي، وموقف الإسلام من تلك النظريات، وحكم تعامل المسلم مع المصارف الربوية، وأهم البيوع المنهي عنها بسبب الربا، والبديل الإسلامي للتعامل الربوي.
وتكلم المبحث الثاني عن ماهية الاحتكار لدى اللغويين والفقهاء والاقتصاديين. ثم تعرضت لتحريم الإسلام للاحتكار، والحكمة من ذلك التحريم، والنطاق النوعي، والزمني للاحتكار، وما يخرج عن نطاق الاحتكار عند بعض الفقهاء، وأهم الأوضاع الاحتكارية الحديثة، والبيوع المنهي عنها بسبب تأديتها إلى الاحتكار، والأسلوب الإسلامي للقضاء على الاحتكار.
أما الفصل السابع: فقد جاء عنوانه "الضوابط المتعلقة بالتجارة الخارجية" وقد قسم إلى خمسة مباحث

خصص المبحث الأول للحديث عن ماهية التجارة الخارجية، والفرق بينها وبين الاقتصاد الدولي، وأهميتها للدولة، وماهية السياسة التجارية وأنواعها. أما المبحث الثاني، تحدثت عن التقسيم الإسلامي للدول والأفراد... فالدول إلى دار إسلام، ودار حرب. والأفراد إلى مسلمين، وذميين، ومستأمنين، وأمان التجار، ومدة الأمان

أما المبحث الثالث فتناول ضوابط تصدير واستيراد السلع والخدمات، عن طريق التعرض لمشروعية التصدير والاستيراد، والضوابط المتعلقة بكل منهما، وحدود تدخل الدولة في عمليات التجارة الدولية. وخصص المبحث الرابع للكلام عن ضوابط الرسوم الجمركية (العشور) فتناول ماهيتها، ومشروعيتها، ومسوغات استيفائها، ومقدارها، والقواعد المنظمة لها، والضوابط الرئيسية المتعلقة بها، ونوع هذه الضريبة، والضوابط المتعلقة بموظف الجمارك.
وتعرض في المبحث الخامس لضوابط التعامل في أسواق الصرف الدولي، بصورة مجملة لأنه من الموضوعات التي تستلزم وقتاً طويلاً للحديث عنها والوقت لا يتسع لذلك. وأخيراً... جاءت خاتمة الدراسة في تلخيص أهم النتائج التي توصل البحث إليها وبعض التوصيات.




ما هي نسبة الربح في التجارة؟


لم يثبت حد في الشرع لنسبة الربح في التجارة، ولكن العلماء يقولون بجواز التسعير، فإن سعّر أولياء الأمور سلعة، فيجب على التجار أن يتقيدوا بالسعر، ويحرم عليهم أن يزيدوا عليها، وهذا التسعير من المصالح المرسلة، والغالب على هذه السلع أن تكون من السلع المهمة الضرورية والرئيسية.

والشيء الذي لم يسعّر ينبغي أن يتقيد فيه بأعراف أهل التجارة، فكل سلعة عند التجار سعران أعلى وأدنى، فلا يجوز لك استغفال الآخرين فتبيعه بسعر غير سعر السوق.

وهذا السعر الأعلى والأدنى يحدده حال الزبون والكمية التي يأخذها الزبون، فالغني ليس كالفقير، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة البارقي ديناراً ووكله بأن يشتري له شاة، فاشترى عروة الشاة بدينار وباعها بدينارين، فرجع إلى السوق واشترى شاة بدينار، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالشاة والدينار وأقره على صنيعه، فربح مائة بالمائة، وكان الربح حلالاً، ولكن قد يربح في رطل سكر خمس قروش ويكون حراماً، فالعبرة بأسعار السوق، وألا يكون غرر ولا تدليس ولا استغلال وما شابه، والله أعلم.


 
من فضلك شارك هذا الموضوع اذا اعجبك

ضع تعليقا أخي الكريم

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

تعليقات ذات فائدة علمية

جميع الحقوق محفوظة E - Commerce ©2012-2013 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . Privacy-Policy | فريق التدوين